معنى "تازة"

يلاحظ المؤرخون أن مدينة تازة كانت موجودة قبل الفتح الإسلامي بمآت السنين، ولعل تسميتها بهذا الاسم هو أنها كانت في الأصل "تزي" بكسر التاء وتشديد الزاي، ومعناها البربري الثنية أي طريق العقبة، ويؤيد هذا أن كل من صعد إلى مكان مرتفع تظهر له هذه الثنايا من جميع الجهات، فهناك ثنايا تطل على ملوية، وثنايا تطل على مكناسة الشرقية وثنايا مكناسة الغربية وتمتد بكـ هذه الثنايا إلى جبل الطواهر ذي المنعرجات والشعاب الوعرة.

ويؤكد هذا الفهم الدكتور عبد الهادي التازي في كتابه "رسائل مخزنية" القسم الأول ص 12 حيث يقول:"وإذا كانت كلمة "تازي" تعني بالفارسية معنى عربية" فإنها عندنا نسبة لتازة التي هي تعريب للفظ "تزا" الزناتية التي تؤدي معنى الثنايا، والواقف بأعلاها تقابله فعلا الثنايا والمنعرجات من جميع الجهات".

 

نبذة تاريخية عن مدينة تازة

لقد لعبت مدينة تازة أدوارا هامة في تاريخ المغرب القديم والحديث، فظهرت لأول مرة على مسرح السياسة بعد الفتوحات الإسلامية ايام الدولة الإدريسية، فبعد وفاة المولى إدريس الثاني تولى الحكم بعده ابنه محمد الذي قسم المغرب على إخوانه كرؤساء للنواحي وكان من نصيب أخيه داوود تازة، ثم دخلها المرابطون سنة 452هـ على يد أبي بكر بن عمر، وفي سنة 529هـ دخلها عبد المومن بن علي الموحدي في غزوته الكبرى التي كانت نهاية لدعوة المرابطين.

وفي عهد عبد المومن بن علي الموحدي تم بناء الشطر الأول للمسجد المعروف بالجامع الكبير سنة 542هـ

وفي عهد المرينيين أضيفت إلى المسجد المذكور زيادات مهمة: اربع بلاطات في قبلته، وبلاطان شرقي و غربي، مع إصلاح صحنه الذي كان قريب السقوط، وكان الفراغ من بنائه في أواخر شوال سنة 691هـ..

 

رباط تازة

يمثل الأمن والأمان قيمة أساسية لنشأة المجتمع الحضري المستقر ويعكس ذلك بوضوح دعوة ابي الأنبياء إبراهيم: (رب اجعل هذا البلد آمنا وارزق اهله من الثمرات) فسبق الدعاء بالأمان الدعوة بطلب الرزق سبقا يؤكد هذه الأهمية، واعتبر الإسلام بناء الأسوار والأبراج والقلاع والحصون من الوسائل التي تساعد على حفظ النفس والمال والعرض وهي من مقاصد الإسلام.

وحماية للمدن ظلت الأسوار والأبراج والفنادق من خصائص المدن حتى القرن الثامن عشر الميلادي في العالم الإسلامي بل حتى اليوم، في اجزاء من العالم. وانطلاقا من أهمية الأمن الذي يتوفر بتحصين المدينة اعتبر السور من المعايير الحضارية التي تميز المدن.

 بالنسبة لمدينة تازة العتيقة، فقد ابتدأ تحصين المدينة باختيار الموقع الذي يعتبر حصينا بطبيعته حيث توجد المدينة فوق هضبة وعرة من الجبل وباستدارة واد الهضار حيث يصعب منالها على العدو ويتضاعف تحصينها على غرار بعض المدن العربية كبغداد والقاهرة .. إلخ. لكن كل هذا لم يمنع الموحدين من إقامة الأسوار حول المدينة لتحقيق تحصين المدينة تحصينا سليما في ضوء الأساليب الدفاعية والهجومية والات الحصار.

 لقد كان المحور الأساس الذي حكم بناء "رباط تازة" يقوم أساسا على تنظيم العراقيل بين المهاجمين والمدافعين لمنع الغزاة من المضي في سبيلهم، ولوقاية المدافعين. ومن خلال هذا تتضح فكرة الإعاقة للعدو التي اعتمد عليها من خلال العناصر الثلاث الأساسية المتمثلة في الموقع والسور المزدوج والخندق الغائر الذي يكلف العدو مشقة الهبوط والصعود، ويسهل على المدافعين الدفاع عن مدينتهم.

تعتبر المدينة العتيقة لتازة من بين المدن المغربية والعالم الإسلامي التي تم فيها استعمال مختلف عناصر العمارة العربية حيث تم تطوير أساليب الدفاع، ويتضح ذلك من خلال اختيار الموقع الصعب المنال وفي الأسوار المزدوجة والأبراج المتنوعة الأشكال المربعة المستطيلة المقومة والبيضاوية الخ ... والخندق والأبواب الرئيسية ذات مدخل على شكل مرفق التي كان يحكم إغلاقها وفتحها، حيث كانت تؤدي إلى الشوارع الرئيسية وتنتهي إلى المسجد االأعظم والقصر والسوق أو مركز المدينة.

 

موقع تازة المتميز

إن موقع مدينة تازة موقع فريد، لكونه صلة وصل بين المنطقة الشرقية والمنطقة الغربية من المغرب من جهة، وبين جبال الريف شمالاً والمجموعة الأطلسية ومن ضمنها الأطلس المتوسط جنوباً. فكانت هذه المدينة ممراً ضرورياً يفصل ناحيتين متباينتين، وهما سلسلة الريف والأطلس المتوسط. وبقيت هذه الطريق منذ القدم، ذات أهمية كبرى ولا تخرق الجبال الموجودة غربي مدينة تازة إلا عن طريق الوادي الضيق الذي يجري فيه نهر إيناون، ومن ذلك كان لموقع تازة اهمية عسكرية ذات بال إذ إنها تستطيع أن تغلق ذلك الممر بين الشرق والغرب. ويكاد دخول مدينة تازة يمتنع من جهات الشمال والغرب والشرق اما من الجهة الجنوبية الجبلية فيسهل النفوذ إليها، وذلك ما جعل سكانها يحصنونها بسورين وخندق للدفاع على منابع الماء ومنع الغزو الذي كانت تتعرض له المدينة من طرف القبائل المجاورة وخاصة قبلية غياتة عندما كانت تضطرب الأحوال كما يمكن اعتبار الفترة الموحدية اساس تسمية المدينة ب "رباط تازة" (القرن الثاني عشر الميلادي) حيث أمر السلطان الموحدي سنة 529هـ 1135م بمجرد وصوله إلى بلاد تازة ببناء رباط تازة"، إذ عمل على تحصين المدينة وجعلها قاعدة للعمليات العسكرية المستقبلية بالمنطقة ونقطة استراتيجية لمراقبة الطريق الرئيسية الرابطة بين بلاد المغرب والشرق، ومن ذلك أيضاً تدرك الاهتمام الكبير الذي أولته لهذه الثغرة قوات الاستعمار التي كانت مرابطة في شرقي المغرب وفي الشاوية قبل الحماية. ويعتبر رباط تازة من بين الثغور التي لعبت دوراً مهماً في محاربة الغزو الاستعماري حيث لم يتم إخضاعها إلا في 17 ماي 1914م، وربط الشرق بالغرب لم يتم إلا قبيل الحرب العالمية الأولى وقد كتب ا بيرنار سنة 1917م في مؤلفه LA France AU MAROC  ما يلي: لا داعي الى ان ننبه إلى الأهمية الكبرى التي نراها في هذا المجاز الذي يصل المغرب بالجزائر وكانت وحدة ممتلكاتنا الإفريقية غير تامة مالم نستول عليه اي "ممر تازة".

المرجع (تازا - التراث وروح المجال) للكاتب محمد بن أحمد الأمراني - 2005

تحميل الجزء الأول من الوثيقة التاريخية تازا .. التراث وروح المجال