أسطح المدينة العتيقة

نضراً لموقع مدينة تازة في منطقة تتسم بطقس قاري حار صيفا وبارد شتاء فان لأسطح المباني العتيقة التي يندر بها توفر الفراغات الكبيرة المفتوحة، وظائف أساسية عدة خلال فصل الصيف، فقد جرت العادة على استغلال الأسطح استغلالا خاصا في الأغراض المعيشية وخصوصا في فصل الصيف الذي جرت العادة أن تتحول السطوح نهارا إلى نشر الحبوب وما شابه ذلك وليلا إلى فضاء للجلوس والنوم هروبا من ارتفاع درجة الحرارة داخل البيوت التي تميز مدينة تازة.

كما نشير بالمناسبة إلى أن التقليد المعماري جرى على ستر السلم والطح بسترة معمارية تجنبا للكشف وحفاظا على حرمة المنزل مع أن وظيفة السترة للسلم أو السطح وظيفة أساسية ترتبط ارتباطا مباشرا بوقاية أهل المنزل من عيون الآخرين ووقاية الآخرين من عيون أهل المنزل ومن ثم لا يمكن استغلال السلم من دون بناء سترة تحقق هذا الغرض.

أبواب المنازل بالمدينة العتيقة

يمكن أن يكون كشف البيوت عن طريق أبوابها المؤدية إلى الأزقة بما يقابلها من أبواب المنازل المجاورة أو غيرها من الوحدات التي تمثل ضررا أكبر كالدكاكين وغيرها. ولذلك كانت الأحكام الفقهية المحددة لنظام فتح الأبواب. ومنعاً لما يمكن أن ينتج عن فتح أبواب المنازل المتقابلة على جانبي الزقاق، سواء أكان أدى الكشف أم إعاقة استخدام "وسط الدار" أو الأفنية في أغراض الحياة اليومية اتجهت هذه الأحكام بصفة عامة إلى العمل على تنكيب أبواب المنازل بعضها عن بعض مع استعمال طريقة المدخل على شكل مرفق لمنع الرؤيا والولوج المباشرين إلى حرمة المنزل.

وكان الحل في تخطيط المنزل بالمدينة العتيقة لتازة استخدام مداخل المنازل بطريقة تمنع هذا الكشف، وتمثل تخطيطها في هيئة دهليز أو ممر ملتو أو منكسر يؤدي إليه الباب المطل على الزقاق ويوجد في أحد جانبي الممر او الدهليز باب ثان يؤدي إلى الصحن أو وسط الدار.

وبهذه الحيلة التي تجنب بها المعمار أن يكون البابان على محور واحد. ويوجود هذا الممر الملتوي توفرت الحماية لمن بفناء الدار من أن يراه المارة بالزقاق أو الواقف بأحد أبواب البيوت المقابلة.

وسط الدار

لقد اعتمد بالمنازل العتيقة التازية على الفناء الداخلي في توفير الطمأنينة والسكينة والعيش الكريم، وهكذا تم فتح النوافذ على الصحن لتوفير نسبة جيدة من الإضاءة والتهوية بمقاييس مناسبة للغرض والحاجة إلى ذلك، مع تجنب فتح النوافذ على الشوارع أو الجيران وما ينجم عن ذلك من ضرر للبيوت المجاورة.

ومن هنا ساد الفناء أو وسط الدار كعنصر رئيسي في تخطيط المنازل التقليدية بمدينة تازة على غرار باقي المدن الإسلامية وأصبح يمثل محور النشاط الرئيسي في المساكن والمرافق الأخرى.

والفناء أو وسط الدار عنصر أساسي في تخطيط المنزل المغربي الأصيل منذ أقدم العصور، باعتبار ملاءمته المعمارية لمناخ المنطقة الحار، فهو يساعد على خفض درجة الحرارة نتيجة الظلال الناتجة عن تقابل أضلاعه وتبخر نسبة مياه "النافورات" التي توضع فيه غالبا، بالإضافة إلى أن انعكاس الأشعة على سطح الماء يقلل نسبة الامتصاص لأشعة الحرارة.

كما أن النباتات الموجودة بالفناء تساعد على تلطيف الجو لإحداث تهوية جيدة من دون تلوث، وبذلك تسود الفناء درجة حرارة منخفضة مما يجعله منطقة ضغط مرتفع، بينما الخارج أي الزقاق يكون منطقة تفريغ (ضغط منخفض) وتبعا لذلك يتكون تيار هواء مستمر من الفناء إلى الخارج وبالطبع تكون التهوية دون أي تلوث علاوة على تلطيفها للجو الداخلي.

كما يعتبر وسط الدار عنصر اتصال وحركة للربط بين أجزاء المنزل المختلفة، بالإضافة إلى استخدامه في الأغراض المعيشية المتنوعة، وفضاء منفعة جماعية، حيث تم تطوير استخدامه وظيفيا وجماليا ليناسب حياة الأسرة المسلمة التي تقضي معظم أوقاتها داخله وخصوصا النساء.

ومن تم لعب المنزل دورا هاما ورئيسيا في حياة مجتمع المدينة، وانعكس هذا الدور على تخطيطه وإنشائه وأساليب زخرفته، ونرى ذلك من خلال ما ورد في أوصاف بعض المنازل التقليدية التازية كدار لخصاصي ودار بلعيد ودار بن عصمان ودار التوزاني إلخ...

كما تجلى ذلك في مدخل دار بنعصمان ووسطها وسقوفها الخشبية، وقد انقرضت هذه المظاهر بسبب زحف البنايات والعمارات العصرية.

شرفة عالية تطل على بساتين بوقلال، وقد بنيت بالخشب المزخرف وزينت نوافذها بزجاج مختلف الألوان كما كانت أبواب المنازل تصنع من الخشب وأبواب البيوت ونوافذها تصنع كذلك من الخشب المزخرف وتزين بالزجاج الملون المعروف بالزجاج العراقي.

دار الخصاصي

وقد كان بعض الأغنياء يتنافسون في تزيين وسط دورهم وجدران منازلهم وسواريها بالزليج الممتاز، كما هي هذه الدار وغيرها من المنازل الأخرى، كما يتنافسون في زخرفة الجدران بالجبس والأبواب الخشبية المنقوشة، وقد سمعت أثناء الطفولة - أن صاحب هذه الدار كان قاضيا، أين وما اسمه ؟؟..

ومن باب الاستطراد المحمود ان أشير ان عائلة الخصاصي عائلة علم وفقه وتفوق في علم الفلك، منهم الفلكي الناظم سيدي محمد الخصاصي، وأثناء البحث في مخطوطات المكتبة الوطنية للمملكة المغربية وجدت فيها كتابين مخطوطين لهذا الفقيه الفلكي:


الأول: "تحفة الألباب في استخراج حصص الأوقات بعلم الحساب" تحت رقم : 1753/د.

والثاني "العصر المطيب في استخراج الأوقات من الربع المجيب" تحت الرقم السابق.


والكتاب الأول يشتمل على منظومة في كيفية استخراج الأوقات بعلم الحساب، وقد شرحها بنفسه، وجاء في آخر هذا الشرح : "وكان الفراغ من تبييضه عشية يوم الخميس تاسع شعبان عام سبعة وعشرين وثلاثمائة وألف" وجاء في آخر المؤلف الثاني ما يأتي: «إني فرغت مت تبييضه يوم الثلاثاء سادس شعبان عام ستة عشر وثلاثمائة وألف بمراكش بعد زيارة سبعة رجال أفاض الله علينا من يركاتهم ،آمين وقت إقامتي بها مع سيدنا ومولانا عبد العزيز أيده الله بنصره وجعلنا من الواقفين لدى نهيه وأمره، إنه على ما يشاء قدير وبالإجابة جدير".


وقد نقلت هذين الكتابين بخط يدي من المكتبة السابقة الذكر وكما أنجب إقليم تازة أعلاما في الفقه والفتوى والتصوف والشعر والنظم والمديح النبوي وعلم الفلك وعلم القراءة.

هذه الدار لا تختلف عن الدور القديمة في هذه المدينة العتيقة، حيث ترى النوافذ مصنوعة من قضبان الحديد، وقد زينت أقواسها بالقرميد الأخضر الذي كان في ذلك العصر، ولم يبق أحد يزين أبواب المنازل والنوافذ بالقرميد الأخضر الا ما قل.